منوعات

ما لم يخبروك به عن الدراسة في الغربة

كان أصدقائي المغتربون دائماً يحدثونني عن الوطن والشوق له، وكيف أنني لا أشعر بهذا الشيء؛ إذ إنني بين أهلي، وكل شيء أريده متوفر، وكان صديقي عندما يريد أن يزعجني يقول: سنرى ماذا ستفعل عندما ستترك العراق وتسافر للدراسة في الخارج، ضحكت وقتها وقلت: الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاكم به.

ولكن إرادة الله شاءت أن أترك بلدي وأذهب للدراسة في الغربة، تذكرت كلام صديقي عن الشوق للوطن، وأذكر حديثه عن تلك الغربة الملعونة، وكيف جمعته بأناس لم يكُن يتوقع حتى في الأحلام أن يجتمع بهم.

نسي صديقي إخباري بأن الغربة المشؤومة، كما يصفها، هي مدرسة، فالاختبار هنا أن تعتمد على نفسك، فتجبرك تلك الغربة على أن تفعل أشياء لم تقُم بها سابقاً، فقد كان كل شيء متوفراً، كما يقول صديقي.

تسوقك تدابير القدر في تلك الغربة إلى تلتقي بأناس من مختلف الثقافات والجنسيات، لا يجمعهم حب السياحة والاستكشاف، وإنما شغفهم للمعرفة وتجربة شيءٍ جديدٍ بعيداً عما ألِفوه في ديارهم، فلكل شخصٍ طموحات وأحلام تركوا بلادهم من أجلها.

قسم من الأفكار التي سُوقت لنا أن الذين يذهبون للدراسة في الخارج غالباً هم أناس لم يستطيعوا أن يحصلوا على المعدل الكافي لدخولهم الكلية التي يحلمون بها؛ لذلك ذهبوا بحثاً عما يريدون في الخارج، لكن صديقي مصطفى الذي ترك بلده من أجل دراسة الإعلام، لم يدفعه المعدل، وإنما شغفه في تأسيس شركةٍ لإنتاج الرسوم المتحركة في بلده، فالأحكام المسبقة التي نتخذها غالباً تكون بسبب البيئة التي عِشنا بها.

جزءٌ من موروثنا الاجتماعي الذي ورثناه من واقعنا المأزوم أن كيف لفتاةٍ أن تدرس خارج بلدها، وتترك أهلها وتسافر وتعيش بعيدة عنهم، ربما نسوا أنها هي أيضاً لديها أحلام تريد تحقيقها أكبر من ذلك الحي الذي تعيش به، كنت أستمع بشغف إلى زميلتي فرح، وهي كانت تحدثني عن كيف تريد أن تنتج أفلاماً وثائقية عن حقب معينة من التاريخ من خلال مزج العلوم السياسية بالإعلام.

في تلك الغربة قد تكتشف أن لديك أحلاماً أكبر من التي جئتَ بها، فالسفر يوسع مدارك الإنسان، فصديقي الذي جاء لدراسة الإدارة قرر أن يغيِّر تخصصه ويدرس علم الاجتماع، وأصبح هدفه أن يكون الأول على مستوى بلده، وكما يقول: “وجدت نفسي في الغربة!”.

أما إذا أردت أن تسألني ما أهم شيءٍ حصلت عليه في الغربة؟!

أجيبك بأن تلك العلاقات التي كوَّنتها في الغربة هي ليست علاقات عابرة، كما حدوثنا عنها، وإنما هي لوحات مضيئة على جدران الذاكرة يصعب نسيانها، فالأصدقاء في الغربة هم عائلتك الكبيرة، يفرحون لفرحك، وإذا غبتَ افتقدوك، فجلوسك معهم ربما ينسيك مشاكلك التي تعيشها.

هذه تجربتي مع الغربة، ولكل شخصٍ درس هناك قصةٌ أخرى تستحق أن تُروى.

نوفل السامرائي
متابعة نوفل السامرائي -على Twitter: www.twitter.com/nawfal_sa

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.